مخطط التحول الرقمي: مرحلة التأسيس لمستقبل رقمي واعد
- Amer Maithalouni
- Jan 27, 2024
- 7 min read

وفقًا لشركة ماكنزي فإنه ينطوي التحول الرقمي على إعادة هيكلة أساسية للأعمال عن طريق استخدام التكنولوجيا بهدف خلق قيمة إضافية دائمة. ومع ذلك فإن مصطلح "التحول الرقمي" يتحول أحيانًا إلى كلمة مكررة مما يفقدها معناها الدقيق ويسبب الارتباك للعديد منا. ويشكل نقص الوضوح في هذا الأمر قلقًا بشكل عام حيث أن التحول الرقمي ليس مجرد موضة بل هو عامل حاسم ومهم لاستدامة وتنافسية الشركات في عصرنا هذا. ومن أجل توجيه القادة شركاتهم بفعالية خلال هذه العملية التغييرية العميقة فإنه من الضروري أن يكون لديهم فهم واضح ومتفق عليه بينهم لمفهوم التحول الرقمي وتزامن عمل الشركة مع وجود خطة جيدة محددة. ومن هنا نسعى في هذا المقال لتوضيح المفهوم ورسم العمليات الأساسية المطلوبة للانتقال الرقمي الناجح.
يقدم تقرير ماكنزي كشفًا ملحوظًا بشأن معدلات النجاح في التحولات الرقمية في مختلف المجالات حيث تشير نسبة ضئيلة فقط - تقريبًا 16% من القادة التنفيذيين - إلى أن تحول شركاتهم الرقمي لم يقم يحسن الأداء فقط ولكنه وضعهم أيضًا على مسار النجاح بشكل مستدام. لكن المشكلات شائعة حتى في الصناعات المتخصصة في التكنولوجيا الرقمية مثل التكنولوجيا الفائقة ووسائل الإعلام والاتصالات بحيث لا يتجاوز معدل النجاح 26%. وفقًا لديلويت فإنه على الرغم من أن القادة التنفيذيين يعتبرون التحول الرقمي أمرًا بالغ الأهمية إلا أن عددًا كبيرًا من المؤسسات (70%) تفشل في الوصول الى قدراتها الرقمية بالكامل حيث ينتهي نصف مشاريع التحول الرقمي لديها بالفشل. ان التحدي واضح بشكل خاص في الصناعات التقليدية مثل النفط والغاز والسيارات والبنية التحتية والصناعات الدوائية حيث تنخفض إمكانية تحقيق النجاح بشكل كبير إلى نطاق يتراوح من 4 إلى 11%. وفقًا لماكنزي، فإن التحول يعتبر تحدي وعليه فإن التحول الرقمي أكثر تعقيدًا حتى.
القدرات الرئيسية المطلوبة للتحول الرقمي
يعتبر تطوير استراتيجية قوية وشاملة أمرًا بالغ الأهمية في سياق التحول الرقمي فهو يعد نهجاً مهماً تُبنى على أساسه جميع الجهود التحولية مما يضمن أن التحسينات التكنولوجية تتماشى مع أهداف الأهداف العامة للشركة. كذلك يعتبر إنشاء حالات أعمال كاملة لكل مشروع جانب أساسي آخر لهذه الاستراتيجية والتي توضح بعناية الأهداف والنتائج المتوقعة وعرض القيمة الشامل.
ويعتبر تطوير استراتيجية للتحول الرقمي وخارطتها ايضاً بذات الأهمية حيث تعتبر خارطة الطريق هذه مرشدًا واضحًا ودقيقًا بحيث توضح الرحلة من الوضع الحالي إلى الحالة المستقبلية المنشودة مع توضيح التعقيد ونطاق الأنشطة والاعمال المخطط لها. إدارة التغيير هي ايضاً عنصر حاسم آخر في هذه الرحلة وهي التي تتعامل مع الجانب البشري للتحول وتضمن الاعتماد السلس للإجراءات والتقنيات الجديدة.
ويعتبر وجود حوكمة رشيدة ضرورة وأساسًا لجميع هذه العوامل فبشكل عام تعد الأنظمة القوية للحوكمة ضرورية لضمان بقاء أنشطة التحول بشكل منسق وان تبقى ضمن الجدول الزمني وان تكون قادرة على تحقيق النتائج المرغوب بها. اضف إلى ذلك استراتيجية الاتصال التي تعتبر أمرًا أساسيًا للمحافظة على مشاركة أصحاب المصلحة المعنيين ولضمان الشفافية ولبناء الدعم أثناء عملية التحول.
ان تقييم شامل للنضج يعتبر ضروري للغاية حيث يتم ذلك من خلال تقييم وضع الشركة الحالي في مجموعة متنوعة من الجوانب ومترابطة بشكل او بآخر بما في ذلك التكنولوجيا والإجراءات والثقافة. يعتبر هذا التقييم ضروري لتحديد مجالات التركيز وتوجيه الشركة نحو التحسين المستمر والمواءمة مع الأهداف الداخلية ومتطلبات السوق الخارجية.
دعونا الآن نتناول التفاصيل بمزيد من التفصيل.
استراتيجية التحول الرقمي القوية
في هذه البيئة الرقمية الحالية المتغيرة بسرعة والمتجددة باستمرار تحولت التكنولوجيا من كونها وسيلة بسيطة إلى أساس لتوسع اعمال الشركات وتعزيز الإبداع. تسلط شركة أكسنتشر الضوء على هذا التغيير مؤكدة على ضرورة أن يكتسب الرؤساء التنفيذيين خبرة في التكنولوجيا ويصبحوا قادة ماهرين في هذا المجال. فقد أصبح التحول الرقمي استراتيجية أساسية للشركات بدلاً من أن تكون اختياريًا. تلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا في تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة الكفاءة حيث يجب على الشركات أن تخضع لهذا التغيير من أجل التكيف والازدهار بنجاح في السوق العالمية المتغيرة باستمرار. ان هذه التحول الجذري يتضمن الابتعاد عن الأساليب التقليدية واعتماد حلاً يعتمد على التكنولوجيا.
بينما نبدأ رحلتنا نحو تحقيق النجاح في العصر الرقمي فإن الخطوة الأولى تعتبر حاسمة فهي تتطلب وضع خطة شاملة وقوية للتحول الرقمي. تعمل هذه كرابط حيوي حيث تقوم بإقامة اتصال بين الرؤى الطموحة وتنفيذها بشكل واقعي. يجب أن تكون واضحة حول الأهداف الاستراتيجية للتغيير بشكل لا لبس فيه وتوضح ايضاً الأنشطة الرئيسية المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف وتخصيص الموارد البشرية والمالية اللازمة. تعتبر هذه الاستراتيجية اساساً خطة شاملة توجه كل جزء من عملية التحول الرقمي لضمان أن كل خطوة تتماشى مع الرؤية والأهداف العامة.
ان استراتيجية التحول الرقمي الفعالة تشمل مجموعة من المجالات الأساسية والتي أصفها بمصطلح 'مجالات التركيز الرقمي'. تتضمن هذه الفئات أنشطة مثل تحسين تجربة العملاء من خلال القنوات الرقمية واستخدام التكنولوجيا القابلة للتوسيع لزيادة الكفاءة التشغيلية. تشمل أيضًا تزويد الموظفين بأدوات حديثة ودمج التكنولوجيا الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. وفي خضم ذلك فانه من الضروري أن نعطي الأولوية للاستراتيجيات القائمة على البيانات وتعزيز التأمين السيبراني القوي وتعزيز الابتكار والمشاركة الفعالة لأصحاب المصلحة المعنيين. علاوةً على ذلك فإنه من الضروري تحديد معايير الأداء بشكل دقيق ومراقبة التقدم بشكل مستمر وإدارة التغيير المؤسسي بحرفية. ان هذه المكونات أمور أساسية لا يمكن تجاهلها على الرغم من ذلك إلا أن لدى الشركات المرونة لتعديلها من خلال إضافة أو استبعاد أجزاء منها لتناسب متطلباتها وأهدافها الخاصة بشكل أفضل وأقرب لما تريد تحقيقه.
حالة الأعمال الشاملة لكل مبادرة
يتعين على الشركات في هذا الاقتصاد العالمي الحالي والمتميز بالمنافسة الشديدة والتحول الرقمي السريع أن تقوم بالاستثمارات الفعالة في تكنولوجيا المعلومات. ان طبيعة الأعمال المعقدة والمتأثرة بسبب التغيرات الاقتصادية والتكنولوجيا الحديثة ومتطلبات العملاء والتشريعات الصارمة تتطلب الابتكار وتقديم قيمة عمل مقابل تكلفة فعالة. نتيجة لهذا الوضع فقد قامت الشركات بوضع استثمارات كبيرة في أنظمتها المعلوماتية. ومع ذلك لا تزال العديد منها تواجه صعوبة في الاستفادة الكاملة من مزايا هذه الإنفاق.
وفقًا لأبحاث شركة ديلويت فقد تشهد الشركات التي تعتمد نماذج أعمال رقمية جديدة زيادة في الربحية تزيد عن 30% على المدى الطويل. إن الاستغلال الكامل لإمكانيات التحول الرقمي يتطلب من الشركات أن تعمل وتسبر هذا التحول بدقة. ان من الضروري وجود حالة عمل شاملة ومفصلة لأي مبادرة تحول بحيث تشمل الأهداف ونطاق العمل والمنهج والمنتجات والنتائج المتوقعة. يتطلب ذلك دراسة دقيقة للنفقات والفوائد والقيمة الحالية للتأكد من جدوى هذه المشاريع، ليس فقط من حيث الابتكار، ولكن أيضًا من حيث الجوانب المالية والتشغيلية.
تحديد المبادرات بشكل فعّال
في ساحة التحول الرقمي المتغيرة باستمرار يحمل فعل تحديد الأولويات أهمية كبيرة بالنسبة للشركات. حيث يجب أن يتم التركيز على المشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية والتي تهدف لتحسين العمليات وليس فقط التي تولد أرباحًا فورية فقط. هذه النهج يسهل توجيه عملية التحول بشكل فعّال ومستدام. يجب على الشركات العثور على توازن بين تخصيص الموارد على مشاريع متعددة والتركيز على المجالات الرئيسية التي تتوافق مع قيودها المالية وقدرات تكنولوجيا المعلومات. ان المراقبة وضبط الأهداف بناءً على الأداء الفعلي هي نشاطات حاسمة حيث يضمن هذا التقييم المستمر أن المبادرات الجيدة تحقق زخمًا ويتم التخلص من تلك التي لا تنجح مما يحسن من توجيه الموارد وزيادة الكفاءة التشغيلية بشكل كبير.
وعلى صعيد التحديات فتواجه الشركات تحديًا كبيرًا بسبب زيادة جهود التحول الرقمي، حيث يلزم لتجنب استنزاف الموارد وضمان التنفيذ الناجح وجود استراتيجية مرسومة بعناية. يجب على الشركات تقدير واختيار المشاريع الرقمية تلك التي تتوافق مع أهدافها الاستراتيجية وتقدم قيمة كبيرة. إن ذلك يتطلب نظرة عميقة ومميزة وخطة شاملة وفهم دقيق لقدرة الشركة على التكيف مع التغيير. يمكن للشركات التنقل بفعالية في تعقيدات التحول الرقمي من خلال تحديد المجالات التي توفر ميزة تنافسية وتحسين الكفاءة التشغيلية. هذا التركيز الاستراتيجي ليس فقط يبسط عملية التغيير، ولكنه أيضًا يضمن أن المساعي متسقة مع أهداف العمل العامة.
وللتعامل بشكل مناسب وتحديد أولويات مجموعة واسعة من الأنشطة الرقمية فإنه من الضروري استخدام استراتيجية منظمة وتحليلية. ان استخدام مصفوفة (2x2)، كمثال، لتقييم كل مبادرة وفقًا لتأثيرها، مثل توفير التكاليف أو تحقيق الإيرادات والجهد الضروري بما في ذلك الوقت والموارد البشرية والمالية هو نهج عملي مهم. قد تسهل هذه المصفوفة تحديد المشاريع التي تمتلك تأثيرً، وقد نتطرق لهذا الموضوع تفصيلياً في مقال مستقل.
استراتيجية إدارة التغيير الواضحة
اتبعت دورة اعتماد التكنولوجيا نهجًا خطيًا في الماضي من حيث جمع المتطلبات وتطوير الحلول واختبارها وتدريب المستخدمين فيما بعد. غالبًا ما تؤدي هذا العملية التقليدية إلى معدلات تبني ضئيلة وبالتالي ينعكس ذلك على قيمة مضافة محدودة. رغم ذلك تعتمد التحولات الرقمية نهجًا تكرارياً اكبر بكثير فهي تشمل أخرى مثل مراحل التصميم وإنشاء نماذج تجريبية وجمع ملاحظات المستخدمين والتحسين المستمر للحل المبتكر بهدف إطلاق إمكانياته الكاملة. كإرشاد عام، بشكل عام فإنه يجب تخصيص ميزانية إضافية لتطوير الحلول الرقمية ولتنفيذ تعديلات على العمليات وبرامج تدريب المستخدمين ومبادرات إدارة التغيير الشاملة. انه من الضروري أن تعمل الشركات بنشاط على مختلف المستويات على تبني التكنولوجيا وقابليتها للتوسعة منذ بداية رحلتها نحو التحول وضمان توفر الموارد اللازمة لدعم التغيير الناجح.
تقييم النضج
تعتبر أداة تقييم النضج الشامل للتحول الرقمي هو خطوة أساسية في عملية التحول الرقمي لأي شركة حيث يجب أن تغطي هذه العملية مجموعة مختلفة من المجالات التي تعتبر أساسية بما في ذلك صياغة الاستراتيجية ومهارات القيادة والهياكل التنظيمية وقدرات البيانات والرؤى وتحسين تجربة المتعاملين وبنية التكنولوجيا التحتية والكفاءة التشغيلية والثقافة المؤسسية وإدارة المواهب والتسويق وتدابير أمن المعلومات. ان كل بند من هذه المجالات تلعب دورًا مهماً في تحديد استعداد وقدرة الشركة على التكيف بشكل فعّال مع التحولات الرقمية المخطط لها.
يعمل هذا التقييم الشامل كأداة تشخيصي ويقدم لمحة موجزة عن الموقف الحالي للشركة في مسارها نحو التقدم الرقمي ويقوم التقييم ايضاً بفحص مستويات النضج بعناية في العديد من الجوانب ويقدم لمحة مفصلة عن نقاط قوة المؤسسة وتحديد المجالات التي تتطلب اهتمامًا خاصًا والتحسينات المقترحة. ان من الأهمية بمكان أن يتجاوز هذا التقييم مجرد الاستعداد من ناحية التكنولوجيا؛ بل يجب ان يفحص البنية الأساسية للأعمال بعناية وان يحلل كيفية ارتباط التحول الرقمي بالاستراتيجية العامة والثقافة والموارد البشرية.
ان المعرفة المكتسبة من هذا التقييم لها قيمة كبيرة حيث إنها توجه وتساعد صناع القرار في وضع استراتيجيات لعملية التحول الرقمي متوافقة مع الأهداف العامة والثقافة للشركة ويتم ذلك من خلال تحديد مجالات محددة تحتاج إلى تحسين مثل تعزيز قدرات تحليل البيانات وتنقيح استراتيجيات جذب المتعاملين وتعزيز الأمان السيبراني أو تنمية ثقافة العمل المرنة والمبتكرة بشكل أفضل مما يمكّن الشركة تخصيص مبادراتها للتحول بطريقة أكثر تركيزًا وكفاءة. في خلاصة القول هنا، يؤسس هذا التقييم الشامل الأساس لثورة رقمية ناجحة ليست فقط مزدهرة ولكنها أيضًا دائمة ومستدامة بحيث تعزز التوسع والقدرة على التكيف في مجتمع أصبح أكثر رقمنه.
الختام
في الختام، ان عملية التحول الرقمي معقدة وتشمل جوانب متعددة تتجاوز مجرد اعتماد التقنيات الجديدة. هناك حاجة إلى نهج شامل يشمل التخطيط الاستراتيجي والإدارة الفعالة وفهم عميق للفرص والتحديات التي تواجهها الشركات في هذا العصر الرقمي بامتياز. ان تحقيق التحول الناجح يتطلب دمج التقنيات الحديثة بالإضافة إلى إعادة تقييم شامل لنماذج الأعمال والإجراءات التشغيلية وثقافة المنظمة. سيكون العامل الحاسم في تحقيق هذا التحول هو ضمان أن الأنشطة الرقمية متوافقة مع الأهداف العامة للشركة، مع منح أهمية كبيرة أيضًا لإدارة التغيير لمعالجة الجانب البشري بفعالية. علاوة على ذلك، يأتي في قلب ذلك إجراء تقييم شامل للنضج في العديد من المجالات مثل التكنولوجيا والإجراءات والثقافة أمر ضروري لتحديد مجالات التركيز وتوجيه المنظمة نحو التحسين المستمر. في النهاية، سيعتمد التفوق التنافسي والنجاح المستقبلي لشركة في بيئة أعمال تصبح أكثر رقمنه على توجيهها الناجح لهذه الرحلة الرقمية.
Comments