الإنسان في القيادة: توجيه رحلة التحول الرقمي في الاتجاه الصحيح
- Amer Maithalouni
- Feb 23, 2024
- 5 min read
Updated: Feb 24, 2024

مقدمة
لقد كنت في مغامرة صغيرة ودعوني أبدأ باعترافي بشيء مضحك جدا، رغم ذلك، ارجوك لا تضحك بشدة! وجدت نفسي في مسابقة تحديق وفهم خاطئ مع رموز (CAPTCHA)، نعم هذه التي تعرفها حقا.. تلك الأحرف والأرقام المختلطة التي يجب أن تكتبها لإثبات أنك لست روبوتا! حسنا لقد اتضح لي انني سيء للغاية في التخمينات المطلوبة لدرجة أنني بدأت أطلب المساعدة من ChatGPT. نعم صدق ما تقرأه عينيك! لقد كنت أستشير الذكاء الاصطناعي لإثبات أنني إنسان. إنها مثل مطالبة روبوت أن يشهد لي في نادي الروبوت انني انسان. في كل مرة أخطئ فيها ولا يمكنني قراءة الاحرف والأرقام يُخيل الي سماع ChatGPT يتنهد بصوت خفي: "هذا الرجل! ليس مرة أخرى"! كما لو أنه شعر بفشله في تدريبي من خلال دورة Robot 101! لكن تخيل؟ اليوم ومع دروس ChatGPT نجحت أخيرا في اختبار CAPTCHA من المحاولة الأولى. إنه انتصار صغير بالتأكيد، ولكنه ايضاً دليلاً على أنه حتى في العصر الرقمي يمكن للطالب في بعض الأحيان أن يتفوق على المعلم - حتى لو كان كلاهما يحاول إثبات أنهما ليسا روبوتات.
الانسان في قلب التحول الرقمي
ولنكون صادقين من البداية وبعد هذه الضحكة الصغيرة فإنه يجب التأكيد انه لا يكمن جوهر التحول الرقمي في مجرد اعتماد التقنيات الجديدة، ولكن في التحولات العميقة التي تحفزها داخلنا ومجتمعاتنا. إن تأكيد فريدريك نيتشه ، "ما لا يقتلني يجعلني أقوى" يعكس رحلة التحول عبر المشهد الرقمي التي يجب ان يتبناها الافراد على جميع المستويات. وهو كأي رحلة تحول يعتمد بشكل رئيسي على قدرة الإنسان على التكيف والابتكار والالتزام الجماعي بكل ما يخص المستقبل، وهي بهذا الوصف تتجاوز هذه مجرد الترقيات التكنولوجية وتغامر في عالم إعادة تصور مكتملة الاركان للإمكانات وإعادة تشكيل لعالمنا باستخدام الأدوات الرقمية.
ولتأكيد ذلك وإذا نظرت إلى المصطلح الرئيسي في هذه الرحلة وهو "التحول الرقمي" ، فإن الكلمة السحرية الحقيقية هي "التحول" وهو ما يتمحور حوله الموضوع كله ولحد بعيد وليس فقط إضافة المزيد من التقنيات الى حياتنا والى كومة التقنيات المتراكمة والتي قد لا نستفيد منها في كثير من الاحيان. ان وجودنا في رحلة تحول يعني الايمان بالتغيير الى الأفضل من خلال العمل الجاد ورفع مستوى التنافس ودفع الإمكانات الى الحدود القصوى وتحقيق اهداف مهمة والتي لم نعتقد أبدا أنها ممكنة. اننا في الحقيقة كما لو أننا نبني عالما جديدا.
الضرورة الأخلاقية للإشراف الرقمي
وبينما نبحر في هذه الثورة الرقمية فإن التحديات الأخلاقية والحوكمية تزداد باضطراد لتصبح حتمية الإشراف الأخلاقي والحوكمي ذا أهمية قصوى. ان هذا العصر وبالرغم من انه يتطلب ما وراء الإبداع فإنه يتطلب شعور عميق بالمسؤولية وعمل جاد تجاه ضمان أن تعمل التكنولوجيا على تضخيم قيمنا المشتركة بدلا من تقويضها. وكمثال على ذلك يكفي ان تنظر الى هذا السيف ذو الحدين المتمثل في التحليلات المتقدمة للبيانات والذكاء الاصطناعي والتي هي، في جانب، قادرة على تحقيق إنجازات لا تصدق في التنبؤ بالأوبئة وتخصيص التعليم، ولكنها على الجانب الاخر لديها قابلية بنفس القدر لتوسيع أوجه عدم المساواة وانتهاك الخصوصية دون اتباع نهج يركز على الإنسان. ان هذا النهج حسب رؤيتنا ضروري وحاسم للوصول الى المستقبل وتقع مسؤوليته بشكل كامل على من يتصدر قيادة رحلة التحول الرقمي.
إعادة تعريف القيادة في العصر الرقمي
ان الفوائد المتوقعة والتحديات الحتمية تستدعي ضرورة وجود نموذجا جديدا للقيادة يتفاعل مع هذه الفوائد والتحديات ويحول التركيز من تنفيذ المهام إلى تحقيق نتائج مؤثرة. يؤكد هذا التحول المطلوب في روح القيادة على العلاقة التكافلية بين البشر والذكاء الاصطناعي كمثال والدعوة إلى اتباع نهج تعاوني حيث تعمل التكنولوجيا كمحسن للقدرات البشرية. إنها رحلة تغيير وجهات النظر إلى الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة من كونها منافس يسعى لاستبدال البشر إلى احتضان هذه التكنولوجيا والتعامل معها كشريك لتعزيز اعمالنا وإثراء مهاراتنا وتحقيق التوازن بين حياتنا المهنية والشخصية.
ان دور القيادة في تحقيق التغيير المنشود هو دور لا يختلف عليه اثنان في هذه المجال، وبالرغم من ذلك يجد الكثير من قادة التحول الرقمي أسئلة صعبة وحقيقية حول إمكانية تحقيق الأهداف اذ كيف يمكن تحقيق تحول حقيقي في مؤسسة عريقة ذات إجراءات عمل متجذرة وبيروقراطية راسخة والانتقال بها الى مؤسسة في القرن الواحد والعشرين تمتلك مقومات المرونة المؤسسية والتميز والرشاقة غير المعتاد عليها من خلال تبني أساليب عمل جديدة تستقيها من أحدث التقنيات الناشئة. ان تغيير بهذا الحجم يتطلب تخطيط واعي وخطوات ثابتة وفهم وخبرة متراكمة تبنى على مجموعة كبيرة من قصص النجاح والفشل الصغيرة. لنطرح هنا احدى الأفكار التي قد تساعد على نجاح رحلات التحول الرقمي.
الطريق إلى الحد الأدنى من المؤسسة القابل للحياة
يوفر مفهوم الحد الأدنى من المؤسسة القابل للحياة (MVO - Minimum Viable Organization) إطارا استراتيجيا للانتقال في رحلة التحول الرقمي وهو مبدأ يتجسد في البدء على نطاق صغير مع التركيز على الوظائف والمهام الأساسية وتعزيز بيئة من المشاركة والتعلم المستمر والالتزام برؤية جديدة. ان هذا النهج لا يسهل مهمة النمو التنظيمي فحسب، بل يزرع أيضا ثقافة الابتكار والهدف المشترك على مستوى المؤسسة.
دعونا فيما يلي بعض نضع بعض النصائح الأساسية لمساعدتك على التنقل في هذه الرحلة بنجاح:
1. المشاركة: التأكد من وجود الجميع على "متن الطائرة" فكلما زاد عدد الأشخاص المشاركين في التحول، زاد ثراء التجربة والنتائج فالأمر يتعلق بإنشاء رحلة جماعية حيث يساهم الجميع ويتعلمون وينمون معا.
2. الالتزام: تنمية التزام عميق بالرؤية الجديدة، يتجاوز هذا مجرد القيام بالمهام المعينة الى الإيمان بالاتجاه والقيم الجديدة التي تتبناها مؤسستك. ان هذا الالتزام يدفع الإدارة الذاتية ويمكن الجميع من المساهمة بأفضل ما لديهم.
3. تعزيز ثقافة التعلم: كن دائما على استعداد للتعلم والتكيف. ان هذا العالم الرقمي يتطور دائما وكذلك يجب عليك أنت وفريقك ان تكونوا على نفس القدر من التطور، لذا شجع الفضول والتعلم المستمر.
4. تعميق الاتصالات: لا تنسى بناء علاقات قوية داخل فريقك ومع عملائك. سيساعدك الفهم والتعاطف على ان تقطع اشواطاً طويلا في رحلة التحول عبر هذه العلاقات.
5. كن مدركا لذاتك: خذ وقتا كافياً للتفكير في أهدافك واستراتيجياتك وتأثير قراراتك فسوف يساعدك الوعي الذاتي على البقاء متوافقا مع قيمك ورسالتك في أوقات التغيير.
6. تشجيع المخاطرة: يأتي الابتكار من تجربة أشياء جديدة لذا قم بإنشاء مساحة آمنة حيث يشعر فريقك بالراحة في تحمل المخاطر المحسوبة وتجربة أفكار جديدة.
7. التركيز على الجانب الإنساني: تذكر أن الناس هم في قلب التحول الرقمي فبغض النظر سواء كان فريقك أو عملائك فعليك التأكد من أن التغييرات التي تنفذها تعمل على تحسين تجربتهم وتلبية احتياجاتهم.
8. التواصل بوضوح وبشكل مستمر: اجعل الجميع على اطلاع دائم بالتغييرات التي تحدث وسبب أهميتها حيث يساعد التواصل الواضح والفعال على تقليل عدم اليقين وبناء الثقة.
ومن هنا أرى ومن خلال التركيز على هذه المجالات أنك ستتمكن من قيادة فريقك خلال رحلة التحول الرقمي بشكل أكثر فعالية وتحويل التحديات إلى فرص للنمو والابتكار.
في الختام
وبينما نقف على عتبة عصر رقمي جديد فإن التحدي الأكبر الذي يواجهنا يتماشى مع أهم فرصة لدينا: تسخير التكنولوجيا الرقمية كمحفز للإنصاف والاستدامة والتمكين. لا تتعلق رحلة التحول الرقمي هذه بالتبني التكنولوجي فحسب، بل تتعلق أيضا بكيفية الانتقال الجماعي في هذه الرحلة الى المستقبل مسترشدين بقيمنا الإنسانية المشتركة. وتذكر انه لن يتم تحديد إرث هذا العصر من خلال التقنيات التي نعتمدها، ولكن من خلال العالم الذي يركز على الإنسان والذي نبنيه معهم. وبينما نتبنى رحلة التحويل هذه دعونا وخصوصاً قادة التحول الرقمي والمدراء التنفيذيون ومدراء الموارد البشرية نتذكر أن التحول الرقمي في جوهره مصمم لتمكيننا ولتحقيق الازدهار من خلال التكامل السلس للعمليات الرقمية بطريقة تبدو طبيعية وتتمحور حول الإنسان بشكل اساسي.
Comments